اخبار سياسية

هل بدأ سعيد في اختيار خليفة المشيشي ?

اصبح من المعلوم ان رئيس الجمهورية قيس سعيد رافض لبقاء هشام المشيشي على راس الحكومة وانه يضع استقالته شرطا للانطلاق في حوار وطني ويبدو ان سعيّد مستعد للتنازل في مسالة واحدة لا غير تتعلق بمرحلة ما بعد المشيشي واساسا اختيار البديل الذي انطلق الرئيس في البحث عنه ودعا بعض من التقوه مؤخرا الى تقديم اقتراحات تتضمن اسماء شخصيات قادرة على تولي هذه المهمة لكن دون ان تتوضح حتى اليوم الاليات التي سيعتمدها لابعاد المشيشي. عقد رئيس الجمهورية خلال الاسبوعين المنقضيين سلسلة لقاءات مُعلنة وغير معلنة بحثا عن حل «على طريقته » ينهي الازمة الراهنة. الواضح بالنسبة لسعيد ان لا حل في ظل استمرار الحكومة الحالية وان تجنب تكرر سيناريو المشيشي الذي ارتمى سريعا في احضان خصومه، يستوجب انجاج «كاستينغ » اختيار رجل القصبة القادم بعد تجربتين فاشلتين في فترة وجيزة وبكلفة سياسية واقتصادية واجتماعية جد باهظة. سعيد طلب من ضيوفه اقتراح مرشحين محتملين لخلافة المشيشي، البعض تحفظ مؤكدا على ضرورة اعداد خارطة طريق ومشروع اصلاحي متكامل يكون قائد المرحلة القادمة جزءا منه، واخرون تفاعلوا مع سعيد رغم عدم وضوح الاليات التي سيعتمدها للمرور لما بعد المشيشي وتجاوز رفض هذا الاخير المطلق تقديم استقالته وتمسك الاغلبية البرلمانية الداعمة له ببقائه.

يحذر جل الخبراء من خطورة الازمة متعددة الجوانب التي تمر بها البلاد والتي زاد التعفن السياسي من حدتها، ومع تكرر التحذيرات المحلية والتقارير الدولية السوداوية يواصل ساسة البلاد العبث دون اي اعتبار لدقة الوضع وتداعياته التي تنذر هذه المرة بالإتيان على الاخضر واليابس في دولة اصبحت بلا اصدقاء معزولة دبلوماسيا وتُعامل كدولة فقيرة مشكوك في مصداقية وجدية مسؤوليها. ازاء هذا الواقع الصعب، يواصل سعيد تجاهل رئيس الحكومة رافضا التعامل معه مطلقا، مستميتا في الدفع نحو ابعاده دون ان يقدم اية الية تمكنه من تحقيق ذلك، لاسيما انه يفتقد لهامش كبير للمناورة وهو الذي يقول انه يرفض التسويات والصفقات. عمليا لا يمكن لسعيد اخراج المشيشي من القصبة، ولا يعود له هذا القرار مثلما حصل مع الفخفاخ الذي طالبه صراحة بالاستقالة واستجاب له. في وضع الحال، امام سعيد اما تفعيل الفصل 99 وعرض الحكومة على تجديد الثقة، وهو مسار دستوري غير مضمون، او الدخول في صفقة مع الحزام الداعم للمشيشي واساسا حركة النهضة عبر «تسويات » تنهي «طهورية » الرئيس. فرضية اخيرة يبدو ان سعيد يعول عليها، وهو تدهور الوضع بشكل كلي بما ينجر عنه سقوط الحكومة بالشارع و «كنسها » من الحكم مثلما يقول بعض المقربين من سعيد. رهان لن يكون بمثل البساطة التي يتوقعها جماعة الرئاسة في ظل تقارير عديدة تُنبه من ثورة جوع لن تكون لا ياسمينية » ولا سلمية. رغم صعوبة ابعاد المشيشي دستوريا وعمليا، فان قيس سعيد لا يعمل الا على ذلك بل ويصف الحكومة ورئيسها في لقاءاته بانها باتت تمثل الخطر وانها لن تصمد طويلا بسبب فشلها في ادارة دواليب الدولة وتحولها الى مناول عند حركة النهضة تأمرها فتستجيب بانبطاح لم تنافسها فيه اية حكومة سبقتها. البعض يؤكد ان نهاية الشهر الجاري ستحمل معطيات جديدة بخصوص الازمة السياسية المتواصلة منذ شهرين تقريبا، وان حوارا وطنيا قد ينطلق قريبا، وان الرئيس سعيد اعرب عن استعداده لدعمه «دون مشاركة فيه عبر ممثلين عنه » شريطة ان تكون من بين مخرجاته اختيار شخصية لخلافة المشيشي، يقبلها الرئيس على ان يحاول دعم اسماء بعينها من الخارج .

تتناقل كواليس السياسة بشكل واسع اصداء لقاءات قيس سعيد الاخيرة، خاصة تلك التي يعقدها مع سياسيين ونواب او قيادات حزبية او رؤساء منظمات وطنية، ومنها بالتحديد الجانب المتعلق بالأزمة السياسية والصراع المحتدم بين الرئاسة ورئاسة الحكومة وحزامها البرلماني، وما تتبعه من مسائل ذات علاقة ابرزها الملفات القضائية التي باتت محل نزاع واضح . من المعطيات الهامة المتناقلة على لسان ضيوف القصر انطلاق الرئيس في البحث عن مرشحين لخلافة المشيشي والحديث في هذا السياق يدور حول 5 اسماء هم وزير المالية السابق نزار يعيش ووزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين ووزير العدل والدفاع الاسبق غازي الجريبي والامينين العامين المتسقيلين من حزب التيار الديمقراطي محمد عبو وغازي الشواشي. ويبدو نزار يعيش الاكثر تحركا من بقية الأسماء المتداولة، اذ كانت له اجتماعات بعدد من المنظمات الوطنية والشخصيات الفاعلة مرفوقا ببرنامج اصلاحي تفصيلي انطلق في اعداده لما كان وزيرا في حكومة الفخفاخ وحوّله بعد مغادرة الحكومة الى ما يسميه «مشروعا متكاملا » لإنقاذ البلاد والنهوض بها. ويُنقل عنه تأكيده انه سيضع هذا المشروع، سواء عاد الى المسؤولية من داخل الدولة ام لا، على ذمة المصلحة الوطنية . يعيش كان محسوبا على حركة النهضة ووجد نفسه منذ ترشحيه لوزارة المالية امام حملات مناهضة له بسبب «ارتداء زوجته النقاب »، وجعله ذلك في موضع «النهضوي المتستر ». وطُبعت بداياته بموقف من حكومة الشاهد ومن طريقة تعاطيها مع الملفين المالي والاقتصادي من خلال اتهامات خطيرة وجهها لها تحت قبة باردو في لجنة المالية اين ذرف الدموع، حسب شهادات نواب وهو يشكو من «تركة » الشاهد ثم في جلسة عامة تحدث فيها بلهجة حادة وهو يسرد الوضع الكارثي للمالية العمومية . كانت خطوات يعيش في الوزارة مثيرة للانتباه، فهو موجود في المكتب منذ ساعات الفجر الاولى، لا ينفك عن طلب الملفات ويذكر عنه مثلا اقتراحه التدقيق الشامل في «جرائم » مالية ارتكبتها الحكومة السابقة، امر تسبب في توتر خيم على أجواء احد اجتماعات مجلس الوزراء مع سليم العزابي الوزير المكلف بالتعاون الدولي والاستثمار، وامين عام تحيا تونس الذي تحرك دفاعا عن «صديقه » ورئيس الحزب يوسف الشاهد . مع مرور الوقت اصبح يعيش صعب التصنيف السياسي، لكنه بطموحات كبيرة باتت اكثر من واضحة للعيان ولتحقيقها ارتكز على موازين القوى التي كانت لصالح رئيس الجمهورية قيس سعيد في تلك الفترة واصطف مع الوزير محمد عبو في «حربه على الفساد » وكان المساهم الاكبر وربما الاوحد في اعداد الملفات التي تمت احالتها على القضاء وكان بذلك احد اهم معاضدي عبو في هذه العملية ولعبت الوزارة دور وزارة الداخلية زمن بن علي، مثلما يقول منتقدوهما )يعيش وعبو(. غادر يعيش سريعا الوزارة رغم محاولاته المحافظة على منصبه متعللا بضرورة ابعاد الوزارة عن اي ارباك وهي في قلب الاعداد لقانون مالية تكميلي، لكنه فشل وغادر لعدة اسباب اهمها موقف حاسم ازاءه من اغلب رؤوس الاموال الذين اشتكوه لمحافظ البنك المركزي ونقلت شكاواهم للمشيشي الذي كان انذاك مكلفا بتشكيل الحكومة. محور الشكاوى « هرسلة وابتزاز » تعرضوا لهما من خلال دعوتهم لمساهمات استثنائية من مالهم الخاص لمواجهة تداعيات ازمة كورونا، وهناك من رجال الاعمال من اكد ان نزار يعيش طلب منه دفع 50 مليون دينار. اصيب يعيش ككل من عاشوا مثله التجربة بغواية المناصب وبمرض تعاظم الطموحات، مما جعله يخصص كل وقته لتشكيل لوبيات بهدف الحصول على دعم من مختلف مكونات الوسط السياسي، امر جعله يعقد لقاء مع يوسف الشاهد مثلا الذي كان يعتبره ممن تسببوا في ازمة البلاد واجرموا في ادارة المالية العمومية، وفتح منزله الواقع باحدى ضواحي العاصمة لاستقبال وزراء سابقين وشخصيات مؤثرة، لذلك ينظر اليوم لخلافة المشيشي بعيون واثقة. اما توفيق شرف الدين، الوزير المقال من الداخلية، فاختياره سيكون امرا صعبا انطلاقا من تجربته المتواضعة وحتى الفاشلة في ادارة وزارة الداخلية والتي غلبت عليها الشعبوية، وبالنظر الى قضايا قد تكون رئاسة الحكومة رفعتها عليه على خلفية تسريب وثائق رسمية تتعلق بتعيينات واقالة قيادات امنية. اختيار شرف الدين لن يكون اكثر من ثأر شخصي بالنسبة لسعيد وسيشكل فرصة جديدة ضائعة للبلاد عبر احالة ادارتها في سياق اقتصادي واجتماعي الى وزير مقال دخل دوائر المناصب العليا بالدولة بفضل نشاطه في الحملة التفسيرية لقيس سعيد كرئيس لتنسيقيته في سوسة. يرى كثيرون ان في ابتعاد شرف الدين عن اي ظهور منذ اقالته اشارة الى امكانية اعداده لمنصب اهم، فيما يؤكد اصحاب قرار اقالته انه «تم افهامه » آخر مرة دخل فيها الوزارة لاعادة تقارير سرية يُحجر اخراجها من الوزارة، انه أعد له على شاكلة وزراء داخلية سابقين ملف من داخل الوزارة عندما كان على رأسها. الاسم الاخر المطروح هو غازي الجريبي الوزير الصارم المعروف بتطبيق القانون والذي لا يُذكر، اجمالا، الا بشكل إيجابي. الجريبي وزير الدفاع في حكومة المهدي جمعة دخل في مواجهة مع الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي بسبب محاولة التدخل في صلاحياته وما سُمي بمعركة تعيينات رفضها الجريبي بقوة القانون . تجربة الجريبي الثانية كانت وزارة العدل والداخلية بالنيابة في عهد الشاهد، لم تكن بدورها سلبية . ويمكن القول ان اهم ما يحسب لهذا الوزير خلال تلك الفترة رفضه الانخراط في الحرب المشبوهة على الفساد ومقاطعته اشغال لجنة شكلها الشاهد وكُلفت باعداد الملفات لتوظيفها في تلك الحرب. ويبدو ان دوره في ملف الجهاز السري والغرفة السوداء وقضية مصطفى خضر كان وراء اقالته من حكومة الشاهد. اقالة انقذت الجريبي من الاستمرار في حكومة انخرطت في الحسابات الانتخابية وباتت على «ذمة » النهضة وفي مواجهة خصوم رئيسها يوسف الشاهد بطرق مشروعة وغير مشروعة . ما قد يلعب لفائدة الجريبي هو قربه من رئيس الجمهورية قيس سعيد، والعلاقة التي تجمع شقيقته الوزيرة السابقة ثريا الجريبي بالرئيس، وايضا علاقته المتميزة التي تجمعه بالاتحاد العام التونسي للشغل الذي سبق ان دعم ترشيحه لرئاسة الحكومة. الاسمان الاخيران المطروحان هما محمد عبو وغازي الشواشي، الاول لن يكون مقبولا باي شكل من الاشكال لا من قبل الاحزاب ولا من المنظمات باعتبار ان اختياره سيكون بمثابة اشارة للتوجه نحو حل البرلمان واطلاق عملية الهدم للمرور الى اعادة التأسيس . وعبو الذي اضطر نهاية الاسبوع المنقضي للرد على ما يُتناقل بخصوص علاقته بالرئيس وتقديمه ك «مستشار خفي » للرئاسة، يقول للدوائر القريبة منه انه غير معني بأي منصب . واخيرا غازي الشواشي، المستقيل منذ ايام قليلة من التيار الديمقراطي، واحد الوزراء الذي حاول انقاذ حكومة الفخفاخ وكان المرشح لخلافته ضمن عملية ترميم تحول دون فشل التجربة، لا يخفي طموحاته وحساباته ايضا لتحقيقه. هو احد القيادات القلائل في التيار الذي لم يغلق الباب نهائيا مع حركة النهضة والذي عدل من خطابه «الثوري » استنادا الى مراجعات قال ان تجربة ممارسة السلطة فرضتها عليه وجعلته ينتهي كسياسي «براغماتي .» لا يبدو ان للشواشي حظوظا كبيرة للفوز بهذا المنصب ،ليس لافتقاره الكفاءة المطلوبة، وانما بالنظر الى تعقيدات العملية السياسية وانهيار رابط الثقة بين مختلف الفاعلين. لذلك لا تبدو الرياح لفائدة المرشحين المتحزبين حتى وان استقالوا من مناصبهم باحثين عن الاستقلالية. الخماسي المذكور هو اكثر الاسماء التي تقدم كشخصيات مدعومة من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يبحث عن بديل للمشيشي دون ان يقدم الية واحدة لطريقة ابعاده من القصبة …

الشارع المغاربي

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق