رئيس الجمهورية قيس سعيد الوحيد القادر على تحديد فترة تجميد اعمال مجلس نواب الشعب و العمل بالتدابير الاستثنائية
نشر السيد خالد العياري الرئيس الأول لمحكمة التعقيب سابقا و رئيس هيئة مراقبة دستوريةمشاريع القوانين تدوينة عبر حسابه الفايسبوكي مفادها أن رئيس الجمهورية قيس سعيد الوحيد القادر على تحديد فترة تجميد اعمال مجلس نواب الشعب و العمل بالتدابير الاستثنائية و في ما يلي نص التدوينة التي نشرها عبر حسابه الفايسبوكي : ليس في تجميد رئيس الجمهورية مباشرة مجلس نواب الشعب لصلاحياته ما يجافي مقتضيات أحكام الفصل 80 من الدستور :تضمن الفصل 80 من الدستور:” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو إستقلالها ،يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الإستثنائية ، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ،ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.وبعد مضي ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البت في إستمرار الحالة الإستثنائية من عدمه وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما. وينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب.”لقد أوعز لنا التذكير بمحتوى هذا الفصل ما أتيح لنا الإطلاع عليه من آراء ومواقف مختلفة ومتباينة صادرة عن أهل الخبرة والإختصاص المتابعين والمهتمين بمجريات التطورات الهامة المتعلقة بشأن الوضع العام بالبلاد بخصوص المنحى الذي إنتحاه رئيس الجمهورية بتوليه إتخاذ قرار بتجميد عمل مجلس النواب بجميع إختصاصاته.وقد لفت واسترعى انتباهنا توجه فئة لا يستهان بها من أهل الإختصاص إلى التأكيد والجزم الذي لا مراء فيه ولا شك يعتريه من أن المنهج الذي انتهجه رئيس الجمهورية في هذا الخصوص مشوب بوصمة اللوث بمجافاة ما يقتضيه إحترام علوية الدستور إستنادا وتأسيسا لكونه ورد بالفقرة الثانية من الفصل 80 المذكور “ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة إنعقاد دائم طيلة هذه الفترة”.بعد هذا الإستطراد الوجيز ،نعود ونتوقف لنقول أن تكييف ووصف هذه الفئة هذا السلوك الذي توخاه رئيس الجمهورية بمناسبة إتخاذه بتاريخ 25 جويلية 2021 للتدابير التي حتمتها الحالة الإستثنائية واستتباعها بتجميد عمل نواب الشعب يعد خرقا جسيما للدستور تعوزه وجاهة الجدية للأسباب والإعتبارات التالية:- لئن كان الإغراق والإستنتاج والتمحل في تأويل النصوص القانونية غير مستساغ إذا كان في ذلك التأويل إرهاق لهاته النصوص فإن تصلب شرايين الفكر على ظاهر النصوص القانونية دون تمحيص وتدقيق في دلالة معانيها غير مستساغ هو الآخر لأنه قد يهدر محتوى النص الذي قصده المشرع وأراده منه.- والذي ينبغي الإشارة إليه والتأكيد عليه أنه لا يجب ألا يغيب عن الذهن أن التدابير التي إتخذها رئيس الجمهورية والتي حتمتها الحالة الإستثنائية تمثلت حسب تقديره في توفر حالة الخطر الداهم المهدد لكيان الوطن وأمن البلاد وتفكك مؤسسات الدولة المتمثلة أساسا في ما آل إليه الوضع العام من خلل في سير عمل دواليب الدولة بسبب سوء آداء مجلس نواب الشعب واضطلاعه بمهامه الموكول إليه إنجازها على النحو الكفيل بتحقيق الأمن العام بالبلاد على جميع المستويات ،حيث تدنى مستوى العمل بالمجلس إلى حد من الإنحطاط والضحالة لم يعد بالوسع والإمكان قبوله والتغاضي عنه.- إن الدفع بعدم دستورية جواز تجميد رئيس الجمهورية لعمل مجلس نواب الشعب لا يقوم على أساس قويم ويفتقر لما يشهد له الإعتبار ؛ضرورة أن إلتجاء رئيس الجمهورية لاتخاذ التدابير اللازمة الإستثنائية يهدف في صميمه لتدارك وإصلاح العيوب والإخلالات الجسيمة المتعلقة بالعمل النيابي والمعتبرة بمثابة الداء العضال الذي ينخر مقومات الدولة والنزيف المدمر لكيانها ؛يقتضي ويستلزم إتخاذ ما يتعين من التدابير الكفيلة بإعادة مؤسسة مجلس نواب الشعب لوضعه العادي للقيام بالمهام الموكول إليه القيام بها على النحو الذي يقتضيه الدستور.-إننا على إعتقاد راسخ يرتقي إلى مرتبة اليقين أننا على قاسم مشترك من أنه لا يرد في مجال التصور أن تقبل بداهة المنطق إستقامة معالجة هذا الداء اللاحق بالعمل النيابي باستعمال الدواء الناجع في هذا الغرض لكف النزيف المهدد لوجود كيان الدولة مع إستبقاء في الآن ذاته مجلس نواب الشعب في وضعه الراهن في حالة إنعقاد دائم طيلة هذه الفترة المخصصة لإصلاحه بالنظر لما في هذا السلوك من إنعكاسات سلبية من شأنها أن تؤول إلى إستفحال الداء وتجعل السعي لمبادرة إصلاحه لا جدوى فيه ولا منفعة تقتضيه.- حيث إنه من المفيد السديد التأكيد أنه يجب أن يكفل تأويل القانون غايته المنشودة ويحقق نجاعته المقصودة ،فنخص بالذكر في هذا السياق ما ورد بالفصلين 532 و538 من مجلة الإلتزامات والعقود في باب “ضبط القواعد المتعلقة بتأويل القانون” “وهي أم المجلات” المتضمن أولهما :” نص القانون لا يحتمل إلا المعنى الذي تقتضيه عبارته بحسب وضع اللغة وعرف الاستعمال ومراد واضع القانون” والوارد بثانيهما أن “الممنوع قانونا لسبب معلوم يصير جائزا بزوال السبب”.وحيث يستفاد من دلالة مضمون هذين الفصلين المذكورين أن مبادرة رئيس الجمهورية بتجميد وتعطيل عمل مجلس نواب الشعب لا مغمز فيها ولا تثريب عليها ذلك أن هذا التجميد ينضوي ويندرج في التدابير التي إتخذها والتي تهدف إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال حسبما ورد ذلك بصريح العبارة في مستهل الفقرة الثانية من الفصل 80 من الدستور.ولا نظنه خافيا عنكم ما لاستعمال المشرع التأسيسي لعبارة “تأمين عودة السير العادي …” من دلالة بادية الوضوح بشأن تخويل رئيس الجمهورية جواز تجميد عمل مجلس النواب المخل بالضوابط المتعين مراعاتها في عمله هذا والذي كان سببا في تردي وتدهور حسن سير دواليب الدولة ،ذلك أن صفوة القول إن الأصل في الأمور الجواز والإباحة ما لم يقتض المنع نص صريح علما أنه لا محل ولا مجال للإحتجاج بالتنصيص بالفقرة الثانية من الفصل 80 السابق الإشارة إليه “باعتبار مجلس نواب الشعب في حالة إنعقاد دائم طيلة هذه الفترة ” لاستخلاص وترتيب أثر عدم جواز تجميد رئيس الجمهورية للعمل النيابي طيلة الفترة المذكورة باعتبار أن حظر منع مباشرة مجلس نواب الشعب لعمله النيابي يستمد مبناه في واقع الأمر من سبب معلوم يكمن في واجب تخويله النهوض بمهامه في العمل النيابي باعتباره من المؤسسات الهامة في الدولة وأن حظر عمله هذا يصير جائزا بزوال سبب وجوده إذ أضحى باديا بجلاوة الوضوح لدى الكافة أن هذا العمل النيابي لم يعد يتسم بنجاعة مقومات الجدية اللازمة للنهوض بمهامه على النحو المنشود.هذا ما عن لي إبداؤه من التصورات عسى أن تكون مفيدة.والله ولي التوفيق. خالد العياري الرئيس الأول لمحكمة التعقيب سابقا و رئيس هيئة مراقبة دستوريةمشاريع القوانين