مضى عام..اين ذهب “صانعو” قيس سعيد

سنة كاملة على انتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية التونسية وذلك يوم13 اكتوبر القادم. وإذ يرى فيها البعض موعدا لانتصار الشعبوية فان آخرين يصرون على وصفه بملحمة 13 أكتوبر، موعد عاشت فيه بلادنا عديد التحولات السياسية بسقوط حكومتين وخلافات سياسية ودستورية.
وبالرغم من الظهور الكبير للأحزاب والشخصيات الوطنية خلال هذه السنة في السجال السياسي فان الغائب الأكبر كان من نصيب أنصار قيس سعيد الذين غابوا عن الواقع الراهن باستثناء بعض الأصوات التي ظلت يتيمة دون رجع للصدى.
وقد طرح هذا الغياب عدة أسئلة أهمها أين ذهب ذلك الزخم الشعبي؟ كيف تفاعلوا مع منصب رئاسة الجمهورية وما هي آفاق تواجدهم في الساحة السياسية؟
كما هو معلوم فانه من الصعب تحديد ملامح أو تعريف واضح لما يسمى أنصار قيس سعيد، فالرجل جمع من حوله متعاطفين من كل المشارب والتوجهات الفكرية.
فقد استطاع إقناع جل المنتمين لمختلف العائلات السياسية من اليسار إلى اليمين وحتى المستقلين في إشارة واضحة على قدرة الرجل في الإقناع والاستقطاب.
ويشكل الاتجاه اليساري أولى الأطراف التي التحم بها قيس سعيد خلال فترات اعتصام القصبة 1 و 2 ودفاعها عن حق شهداء وجرحى الثورة.
وقد مثل هذا الجناح كل من رضا لينين وفوزي دعاس وسنية الشربطي ومجموعة من»الأوفياء»، وقد عرفت علاقة سعيد بهذا الجناح عديد التقلبات انطلقت حتى قبل صعوده للرئاسة ومباشرة بعد الدور الأول حين استلم الأمن الرئاسي مهمة أمن الرئيس وأصبحت إمكانية اجتماعهم برفيقهم تمر عبر أخذ موعد من الأمن الرئاسي .
وقد اعتبر بعض أنصار قيس سعيد من اليساريين أن تلك القطيعة المؤقتة كانت فرصة مواتية للبعض من عائلة الرئيس لإقصائهم لاختلافات عديدة في وجهات النظر، باستثناء القيادية الميدانية سنية الشربطي التي ضلت علاقتها متينة بالرئيس وحافظت على مكانتها عنده .
أما رضا لينين، فكان زاهدا في السلطة ولم يحمل الرئيس أكثر مما يحتمل وترك مسافة بينهما ليتفرغ صديقه لمشاكل الدولة في حين تفرغ هو لدور المنظر والمفكر لمشروع البناء الجديد.
ولم تكن القاعدة الجماهرية لهذا التيار بعيدة عن علاقة المد والزجر بينهم وبين قيس سعيد لتعرف العلاقة صدامات عدة ليكون خبر وفاة جريح الثورة طارق الدزيري الشعرة التي قسمت ضهر البعير، حيث عرفت زيارة قيس سعيد الأولى لمنزل العائلة صداما حادا بينه وبين النشطاء وخاصة رفيق دربه فوزي دعاس .
وقد بلغ بهم الغضب إلى حد اتهام قيس سعيد بالخيانة حيث نشر الدعاس يوم 19 جانفي تدوينة جاء فيها:»قيس سعيد… جريح الثورة طارق الدزيري توفي البارحة وها نحن ندفنه الآن وكعادة الأوفياء كنا كلنا هنا وكان غيابك هو الأبرز، لا أخفيك سرا أنني سررت لعدم حضورك فقد كرهنا تقبل العزاء في أحبتنا من مسؤولي الدولة بعد حدوث الكارثة التي كنا قد نبهنا منها فقد اتصلت سنية الشربطي بمسؤول ديوانك لتنبهه إلى خطورة حالة طارق كما أنني شخصيا رافقت طارق كريم إلى بيتك بالمنيهلة مصحوبا بفيديو وملف طبي لحالة الجريح وكان ما كان مع محيطك وحرسك، قيس سعيد لن نقبل منك العزاء في طارق قبل محاسبة المسؤولين عن إهماله بمن فيهم ديوانك، قيس سعيد لن يحبطنا الحزن على جريحنا فقد تعلمنا من زمان أن نحول أحزاننا إلى غضب وأنت أدرى الناس أن غضبنا يزلزل العروش.”
هكذا تهمة رد عليها قيس سعيد بجملته الشهيرة «بأن التاريخ وحده سيثبت من خان و من بقي على العهد».
وقد وصف بعضهم أن هذه الحادثة كانت وراء استقالة أو إقالة مستشار الرئيس عبد الرؤوف بالطبيب مباشرة وتمكنت نادية عكاشة بعدها من إطفاء ذلك الحريق عن طريق فتح قنوات اتصال مع هذا الاتجاه مجددا بيد أن العلاقة اليوم لا تزال فاترة إن لم تكن منعدمة والبعض من أنصار هذا الاتجاه يؤكد على أن شقيق الرئيس والاتجاه اليميني هم وراء محاولة عزلهم عن الرئيس.
اليمين…. العائلة
لم تهدأ الأوصاف السياسية من داخل المجموعات المحيطة بالرئيس حيث يرى اليساريون المحيطين بفكر قيس سعيد أن الاتجاه اليميني من أنصار سعيد هم العائلة والمقربون من العائلة وقد اختاروا مساندة الرئيس عن طريق ماكينة إعلامية تدير عديد صفحات الفايسبوك وتسارع بالرد على خصومه عند إطلاق الشائعات، ويتردد في الكواليس أنه دائما ما يقع تسريب الأخبار إليها من القصر قصد التأثير في القرار السياسي.
وقد ظهرت هذه الماكينة أساسا خلال المعركة الدستورية بين قيس سعيد وحركة النهضة حول البقية، واستقالة الياس الفخاخ ومسالة سحب الثقة كما برزت هذه الصفحات خلال فترة الخلاف بين قيس سعيد والمشيشي حيث شنت هجوما كاسحا على شخصه واختياراته وكانت تسرب تفاصيل اجتماعاته مع القروي وحتى مقترحاته لمنصب مدير عام الأمن.
ومن هذه الصفحات صفحة «الأستاذ قيس سعيد» التي تبث الأخبار الرسمية، وصفحات عدة متخصصة في تشويه الخصوم كصفحة «إخدم والشعب معاك» وصفحة «الراصد» و»من حقي نحلم» وقد انضم أخيرا إلى هذا الفريق بعض المدونين.
أما القاعدة الجماهيرية لهذا الاتجاه فكان طموحها تأسيس حزب سياسي، إلا أن معارضة الرئيس لفكرة الحزب دفعها إلى تأسيس منظمة تحمل اسم «الإتحاد الوطني للشباب التونسي» وقد انطلقوا في تركيز المكاتب الجهوية وصفحة على «الفايسبوك» يتابعها بعض المئات، إلا أن طبيعة هذا العمل الذي يتعارض مع العمل الحزبي قد يسارع باندثارها أو ربما قد تكون قاعدة خلفية لتوظيفها في الحملة الانتخابية لقيس سعيد سنة 2024 مثلما فعل نبيل القروي بجمعية خليل تونس.
الاتجاه الثالث من أنصار قيس سعيد هم المستقلين أو كما يسميهم البعض التكنوقراط، وهم مجموعة من أنصار قيس سعيد استطاعوا تكوين حزام من المثقفين يتكون من محامين وأطباء وكوادر في عديد الاختصاصات لم يسبق لهم المشاركة في الحياة السياسية ولكنهم اجتمعوا على فكرة مساندة قيس سعيد منذ سنوات وكان لهم إسهام واضح في دعمه خاصة ضمن إطارات الجالية التونسية بالخارج، هذه المجموعة قامت بتأسيس حزب تحت اسم «حزب الشعب يريد» وقد أعلنت عن تأسيسه مصالح رئاسة الحكومة وتحصل على التأشيرة القانونية في شهر جوان الفارط وكان أول كيان سياسي يؤسسه أنصار قيس سعيد، وللحزب موقع رسمي www.alchaabyorid.net وصفحة على «الفايسبوك» تحمل اسم «الشعب يريد» لديها أكثر من مائة ألف متابع ولكن لم يكن للحزب حضور فعلي على الساحة السياسية باستثناء بعض البلاغات والبيانات المساندة لقيس سعيد أحيانا أو الناقدة للوضع السياسي ومسار تشكيل الحكومة أحيانا أخرى.
ولعل اللافت للنظر في هذا الحزب اعتماده على وجوه شابة لم تمارس العمل الحزبي من قبل أو القادمة من العمل الجمعياتي ويتردد في الكواليس أن وراء هذا الحزب أحد مستشاري القصر وهو ما لا يمكن تأكيده إلى حد الآن ولكن الإمكانيات التنظيمية لهذا الحزب والواجهة الإعلامية له لا تحيل على أنه مجهود هواة من أنصار قيس سعيد بل عمل منظم يقوم على خبرات وإمكانيات تضاهي ما تتمتع به كبرى الأحزاب في تونس ولعل الغموض الذي يدور حول هذا الحزب وعدم ظهور قياديه في الإعلام (مثلما كانت إستراتيجية قيس سعيد خلال الانتخابات الأخيرة) هو ما يدفع البعض إلى التأكيد على ارتباطه بقيس سعيد دونا عن بقية الاتجاهات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق