محمد القوماني : يبدو أنّ رحيل يوسف الشاهد بات وشيكا

كتب محمد القوماني :

يبدو أنّ رحيل يوسف الشاهد بات وشيكا بعد أن صار الصراع مفتوحا بينه وبين الباجي قائد السبسي، الذي دعاه علنا إلى الاستقالة أو الذهاب إلى البرلمان وطلب تجديد الثقة، كما وضع الرئيس كل ثقله لإنهاء الموضوع في أسرع وقت في اتجاه رحيل الشاهد. وبدأت بعض المواقف تدعم هذا الخيار. في الأثناء تحلّ الذكرى الواحدة والستون لعيد الجمهورية بالتزامن مع تعثّر البرلمان مرّة أخرى في اختيار أعضاء المحكمة الدستورية واستكمال بقية مؤسسات الجمهورية الثانية. وعلى وقع الأزمة السياسية الحادّة والمواجهة الصامتة بين رأسي السلطة التنفيذية و”تمرّد” رئيس الحكومة المُعيّن على رئيس الجمهورية المُنتخب الذي عيّنه في وقت سابق والآثار السلبية لذلك على منظومة الحكم، ترتفع أصوات البعض على غرار مورو والشابي بالدعوة إلى تعديل الدستور. فهل ينهي رحيل الشاهد بصيغة أو بأخرى الأزمة السياسية؟ وأيّ سيناريوهات للمشهد السياسي في أفق الاستحقاق الانتخابي التشريعي والرئاسي نهاية سنة 2019؟
لا نزال نذكر تصريح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي يوم تعليق الحوار حول وثيقة قرطاج2، حين قال أنّ رئيس الجمهورية له السلطة المعنوية ليدعو الشاهد إلى الاستقالة، وله سلطة الدستور في الذهاب إلى البرلمان وطلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. وها أنّ الأمور تتجه إلى إحدى الصيغتين. فلم تعد استقالة الشاهد مستبعدة بعد أن دعاه إلى ذلك الباجي وأيّده الطبوبي في اجتماع السبعة الكبار، وبعد تعدّد عناصر الضغط في هذا الاتجاه وصدور دعوات جديدة من أوساط مختلفة مطالبة بالاستقالة. كما أنّ سيناريو تفعيل الفصل 99 من الدستور الذي يمنح لرئيس الجمهورية “أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها” فإن لم يجدّد المجلس ثقته بالأغلبية المطلقة (109 صوتا) تعتبر الحكومة مستقيلة ” وعندئذ يكلّف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه ثلاثون يوما”. وقد باتت أطراف حزبية لا سيما من المعارضة، على غرار الجبهة والتيار وحركة الشعب تطالب الرئيس بهذا التمشي. ولعلّ اجتماع رئيس الجمهورية مساء الثلاثاء الماضي بقصر قرطاج بكتلة نداء تونس التي حضر أغلبية أعضائها بعدد غير مسبوق منذ دبّت الخلافات، بمن فيهم من حسبوا من أنصار الشاهد، ودعوتهم إلى الالتزام بموقف الحزب تجاه التعديل الحكومي مؤشر قويّ في الاستعداد لهذا السيناريو. يعزّز ذلك عزف منابر إعلامية مختلفة ومتزايدة على هذا الوتر. وربما يظل الحرج في مقتضيات تفعيل هذا الفصل التي ينصّ عليها النظام الداخلي للمجلس، لكنه حرج يمكن تذليله أمام صعوبة أو تعذّر تفعيل الفصل 97 الذي ينص على لائحة لوم ضدّ الحكومة والفصل 98 المتعلق باستقالة رئيس الحكومة أو طلب التصويت على الثقة في مواصلة حكومته. وقد تكون للترتيبات التي يجري العمل عليها في قيادة نداء تونس، بما يبعد حافظ من الواجهة ألأولى ويساعد على عودة وجوه غادرت الحزب ومحاولة لمّ الشتات وعقد مؤتمر للحزب، آثار إيجابية في هذا الصدد.
وفي ظلّ الأزمة السياسية المتفاقمة التي سبّبها الخلاف حول تغيير الشاهد من عدمه، تحلّ الذكرى الواحدة والستون لعيد الجمهورية بالتزامن مع فشل البرلمان مرّة أخرى في انتخاب الأعضاء العائدين إليه في تركيبة المحكمة الدستورية حتى يتسنى بعد ذلك لرئيس الجمهورية وللمجلس الأعلى للقضاء اختيار بقية الأعضاء. وهكذا توشك العهدة النيابية على الانتهاء دون إرساء المحكمة الدستورية. وقد نصّ الباب العاشر من الدستور في الأحكام الانتقالية على أن يتمّ ذلك في أجل أقصاه سنة بعد انتخابات 2014. وهذا ما يحصل أيضا مع الهيئات الدستورية التي جاءت بالباب السادس من الدستور. وها نحن ندفع تكلفة باهظة لتأّخّر إرساء هذه الهيئات وكذلك المحكمة الدستورية التي تعدّ من أهم إضافات ومكاسب دستور الثورة.
لا تخلو دعوة الأستاذين عبد الفتاح مورو وأحمد نجيب الشابي مؤخرا إلى تعديل الدستور من وجاهة ما. فالمصاعب المتكرّرة التي يواجهها تطبيق الدستور الحالي وسير دواليب الدولة، نظرا لبعض الشروط المثالية أحيانا أو الأغلبيات المطلوبة والمتعذّرة في آن لتمرير بعض القوانين، أو تشتيت السلطة والتعارض بين مؤسسات الدولة، وخاصة ضعف موقع رئيس الجمهورية المنتخب أمام موقع رئيس الحكومة المعيّن وغيرها من عيوب نظام سياسي هجين بين البرلماني والرئاسي، وبعض الفصول التي وضعت على القياس بناء على فرضيات انتخابية، لم تصمد في الواقع وأبانت عن عطالة وحاجة للتعديل.

لكن يبقى الجدال حول مدى وجاهة المطالبة بتغيير دستور لم تُستكمل مؤسساته ولم يختبر في الواقع فعليا. ومن جهة ثانية لا يمكن تعديل الدستور في غياب محكمة دستورية ينصّ الفصل 144 منه على أنّ “كل مبادرة لتعديل الدستور تعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي”. وما دامت التجاذبات قائمة بالبرلمان وفي ظلّ تعطل التوافق بين الحزبين الرئيسيين وعدم توفّر الأغلبية المطلوبة وأمام ترشّح نفس الأشخاص تقريبا لعضوية المحكمة الدستورية ممّن تعذّر التوافق حولهم في السابق، فإنّ إرساء المحكمة مؤجل إلى ما لا سقف زمني له في هذه العهدة على الأقلّ. وبذلك يزداد المشهد تعقيدا.
يقدّر البعض أنّ الشاهد لن يصمد طويلا في مواجهة الباجي. فرئيس الجمهورية أكثر شرعية سياسية باعتباره منتخبا من الشعب مباشرة، وهو صاحب الكاريزما والتأثير القوي في حزب نداء تونس، وهو الممسك بالعلاقات الخارجية وصاحب التجربة العريقة فيها، وهو الأشدّ دهاء وصاحب الفضل على الشاهد. وفي المقابل يرى آخرون أنّ رئيس الحكومة صاحب طموح يؤهله له عمره وهو يرمز أكثر إلى المستقبل وله من عناصر القوة والإسناد الداخلي والخارجي ما يجعله يكسب هذه المعركة الرمزية في سيناريوهات مستقبل المشهد السياسي التونسي القادم. ولا يستبعد البعض أن يكون الشاهد بصدد وضع أكثر من سيناريو لمستقبله السياسي بما ذلك الاستقالة وتكوين حزب سياسي جديد لخوض رئاسيات 2019. ورأوا في استقالة مهدي بن غربية خطوة في هذا الاتجاه.
وقد يكون هذا الصراع غير المفيد بين رأسي السلطة التنفيذية، وعلاقته بأجندة الاستحقاق الرئاسي لسنة 2019 إضافة إلى البعد الحزبي في علاقة بالصراع الداخل في حركة نداء تونس بين يوسف وحافظ، وآثار ذلك السلبية على الاستقرار السياسي، إضافة إلى غياب البديل الأفضل، قد يكون في ذلك جميعا تفسير لعدم اقتناع حركة النهضة بتغيير الشاهد ورفضها أن تكون أداة لتنفيذه. وقد كان لتمنّعها إلى حدّ الآن تأثيره الواضح في تأجيل حسم الموضوع.
لكن يبقى الأخطر على المسار الديمقراطي أن يعمد البعض إلى مزيد تعفين الوضع والدفع إلى احتداد الأزمة وانسداد الأفق، بما يسوّق لحلول غير دستورية وغير ديمقراطية مهما كانت صيغها وتسمياتها ولافتاتها، لا مصلحة للبلاد والعباد في اعتمادها. وتلك سيناريوهات مع الأسف ممكنة وتدلّ عليها مؤشرات غير خافية. وفي كل الاحتمالات فإنّ رحيل الشاهد بصيغة أو بأخرى، ومهما كان توقيته، لن ينهي أزمة سياسية عمّقت أزمة الثقة بين الفاعلين وأتت على مكاسب تحققت بفضل التوافق الذي جعل من التجربة التونسية استثناء عربيا، وستظلّ تتغذى من الأجندات المتضاربة في أفق 2019 وما يلفها من غموض وتساؤلات.


محمد القوماني عضو المكتب السياسي لحزب حركة النهضة،

كاتب صحفي ومحلّل سياسي. من مواليد 1960/10/01 بولاية باجة.

باحث وأستاذ التفكير الإسلامي.

رئيس حزب الإصلاح والتنمية سابقا (2011-2015).

عضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي…


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق