في أفق السنة السياسيّة الجديدة .. كتل جديدة تتشكل بالبرلمان ومشهد سياسي متحرّك والأنظار موجهة لانتخابات 2019

تونس 28 أوت 2018 (وات/تحرير ليلى بن ابراهيم) – برزت خلال هذه الفترة، التي تتزامن مع اقتراب انطلاق الدورة النيابية الخامسة واستئناف البرلمان لأشغاله بداية أكتوبر القادم، تحركات مكثّفة بين الأحزاب الممثلة بمجلس نواب الشعب، بما يشير إلى بوادر تغيّرات وتشكّلات جديدة على مستوى تمثيليات الكتل بالبرلمان وربما على مستوى المشهد السياسي عموما.
هذه التحركات رأى فيها فاعلون سياسيون ومحللون أنها مسألة طبيعية ومنتظرة لا سيما وأنها تتزامن مع انطلاق السنة السياسية الجديدة التي تلوح “ساخنة”، وفق تقديرهم، لكونها تتضمّن آخر دورة نيابيّة من جهة، ولاستعداد الأحزاب وبعض الأطراف للاستحقاقات الانتخابية المقبلة (2019) من جهة أخرى.
ومن أبرز تجليات هذه التحركات إعلان مجموعة من أعضاء مجلس نواب الشعب، الاثنين، عن تأسيس كتلة برلمانية جديدة وهي “كتلة الائتلاف الوطني”، تتكوّن أساسا من 34 نائبا من المستقلّين وكذلك المستقيلين من كتلتي حركتي مشروع تونس ونداء تونس ونواب من كتلة الاتحاد الوطني الحر.
وتهدف هذه الكتلة، وفق تصريحات أعضائها، إلى تجاوز الصعوبات التي تعرقل مسار الإصلاحات على المستويين التشريعي والتنفيذي ومشاريع القوانين المعطلة ومواصلة الحرب ضد الفساد، إضافة إلى استكمال بناء المؤسسات الدستورية والتعجيل في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وإصلاح وضعية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي مسائل تمّ ترحيلها منذ الدورة النيابيّة الماضية لعدم التوافق حولها.
ذلك ما أكّده رئيس الكتلة الوطنيّة مصطفى بن أحمد، الذي قال إنّ الأسباب الرئيسية التي تعود لتأسيس هذه الكتلة البرلمانية الجديدة، هي الأزمة الخطيرة صلب مجلس نواب الشعب الذي عجز عن انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وحسم مسألة رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مبرزا أن الكتلة ستساند مختلف السياسات والبرامج الحكومية شريطة أن تكون سياسات توافقية مبنية على الاستشارات الواسعة.
ورغم تأكيد النائب طارق الفتيتي (كتلة الوطني الحر) أن كتلة الائتلاف الوطني لا تمت بأية صلة وليست لها أية علاقة برئيس الحكومة يوسف الشاهد وأنها تأسست فقط من أجل تحسين جودة العمل البرلماني، فإنّ مهتمين بالشأن السياسي اعتبروا أن الهدف من إنشاء هذه الكتلة هو دعم حكومة الشاهد من داخل البرلمان في ظلّ فقدان حكومته السند السياسي والاجتماعي الذي كانت تحظى به عند تشكيلها، وذلك في ظل توتُّر العلاقة الواضح بين حزبي النداء والنهضة من جهة ومواصلة نداء تونس والاتحاد العام التونسي للشغل مطالبتهما برحيلها من جهة أخرى، وهو ما أشار إليه الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، حين اعتبر أنها تشكّلت من عدد من أنصار الشاهد .
على صعيد آخر اتفق ممثلون عن كتلتي حركة “نداء تونس” وحركة “مشروع تونس” بالبرلمان، على “العمل على تكوين كتلة نيابية تكون الأولى في البرلمان وتمثّل هذه الكتلة، التي سيبلغ عددها 74 نائبا، في حال إقرارها، صمام أمان للعملية السياسية وقوة اقتراح تتصدى لكل محاولات التوظيف السياسي للمسار التشريعي”، وفق تعبيرهم.
وأكّدوا أنّ هذه المبادرة مفتوحة أمام كل الأطراف النيابية الأخرى لخلق أغلبية برلمانية تدفع نحو الرفع من مردودية المؤسسة التشريعية ومزيد تفعيل دور السلطة التنفيذية.
وفي تصريحه قال مرزوق “إنّ هذه الكتلة ستكون الأقوى” وستشمل نواب حركة نداء تونس وحركة مشروع تونس ونوابا آخرين إن أمكن ذلك، معتبرا أنّ في إحداث هذه الكتلة، التي توفرت الآن الظروف لتكوينها، “رسالة هامّة جدّا على المستوى السياسي.
تحركات وتحالفات جاءت أيضا في مستهلّ سنة سياسية جديدة، حيث ورغم تأكيدات النواب على أنّ الغاية منها هو إنهاء حالة تشتت الأصوات والقوى في البرلمان وتسهيل العمل داخله، يرى آخرون أنّ الغاية الحقيقية من هذه التحالفات هو إعادة التموقع داخل المشهد السياسي استعدادا للانتخابات القادمة (2019) خاصّة وأنّ الانتخابات البلدية قد كشفت فقدان الناخبين لثقتهم في الأحزاب وعزوفهم عن التصويت لها.
وفي هذا الإطار اعتبر النائب عن التيار الديمقراطي غازي الشواشي (معارضة) أنّ هذه الكتلة النيابيّة الجامعة بين حركتي نداء تونس ومشروع تونس وفي صورة إقرارها، جاءت لمعارضة ومواجهة كتلة الإئتلاف الوطني الداعمة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ودعم توجّهات حركة نداء تونس داخل البرلمان ومديره التنفيذي حافظ قائد السبسي.
وبيّن أنّ هذه الكتل البرلمانية برزت لدعم أشخاص في الاستحقاقات المقبلة وليس لخدمة من انتخبهم من الشعب أو القيام بإصلاحات تحتاجها البلاد، مشيرا إلى أنّها “تتنزّل في إطار الصراع السياسي الذي تعيشه البلاد داخل البرلمان وخارجه، لكن ومن خلال هذه التحالفات ستتوضّح أكثر للرأي العام” .
وقال إنّ أحزاب المعارضة التي لم تمنح ثقتها للحكومات المتعاقبة والممثلة أساسا في الكتلة الديمقراطية والجبهة الشعبيّة ستواصل دورها بنفس تموقعها في البرلمان .
كما لفت إلى أنّ هذا الصراع ينبئ بـ”سنة سياسيّة ساخنة جدّا” بالنظر إلى أنّها لن تكون كسابقاتها لتضمّنها آخر دورة نيابيّة من جهة ولاستعداد الأحزاب للاستحقاقات الانتخابية المقبلة (2019) من جهة أخرى.
المحللّ السياسي عبد اللطيف الحناشي بدوره قال في تصريح لـ(وات)، إنّ التحالفات الجديدة والحركية التي تشهدها الساحة السياسيّة ” مسألة طبيعيّة لتزامنها مع مفتتح سنة سياسيّة جديدة، التي تنطلق مع بداية شهر سبتمبر” .
كما بيّن أنّها نتاج عاملين اثنين، الأول يتمثّل في الانتخابات التشريعية والرئاسيّة المقبلة لسنة 2019 والثاني يتصل بوضع رئيس الحكومة يوسف الشاهد والنقطة 64 من وثيقة قرطاج 2 المتعلّقة ببقائه من عدمه، خاصّة وأنّ حركة النهضة التي كانت من المتمسّكين ببقائه قد غيّرت نوعا ما من موقفها إثر اجتماع مجلس الشورى الأخير.
وأشار إلى أنّ هذه الحركيّة أيضا هي حصيلة نتائج الانتخابات البلديّة التي لم تكن مطمئنة للكثير من الأطراف السياسيّة لعزوف المواطنين عن الإقبال وضعف النتائج التي تمّ تسجيلها لدى أغلب الأحزاب بما فيها حزبي النداء والنهضة.
واعتبر الحناشي أنّ الأزمة السياسيّة التي تعيشها البلاد أثّرت على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتمّ تصديرها إلى السلطة التنفيذيّة لكنّها ستتعمّق أكثر بالعودة إلى مربّع التجاذبات الايديولوجيّة والإصطفاف كما حصل سنتي 2011 و2014 مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسيّة، وفق تعبيره.
وحذّر الحناشي من هذه المسائل، التي قال إنها ستنعكس سلبا على مسار الانتقال الديمقراطي وعلى مصداقيته، وهو ما تتفق حوله العديد من الأطراف السياسيّة التي تدعو إلى الخروج من هذه الأزمة السياسيّة في أقرب الآجال وبأخفّ الأضرار خاصّة وأنّ إيجاد حلّ لذلك هو مفتاح دخول سنة سياسية جديدة ناجحة.
وفي هذا السياق تتالت الدعوات الموجهة إلى رئيس الجمهورية من أجل بلورة تصوّرات أو العودة إلى وثيقة قرطاج 2 لتنفيذ جملة الإصلاحات الواردة بها، وهو ما تؤكده بالخصوص لقاءات الرئيس الباجي قايد السبسي الأخيرة بكلّ من رئيس الحزب الوطني الحر سليم الرياحي وأمين عام حركة مشروع تونس محسن مرزوق بطلب منهما، ويؤكّده أيضا طلب نداء تونس أمس الداعي إلى العودة إلى وثيقة قرطاج والإجتماع بشكل عاجل للاتفاق على مخرج للأزمة السياسية الحالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق