رياض الشعيبي: المساواة في الميراث ورقة السبسي لإحراج “النهضة”.. والشاهد استطاع حتى الآن الإفلات من إقالته “المحسوبة”

قال رياض الشعيبي، رئيس حزب «البناء الوطني»، إن غالبية التونسيين يرفضون مبدأ المساواة في الميراث الذي اقترحه الرئيس الباجي قائد السبسي، مشيرًا إلى أن السبسي يسعى من خلال هذا المقترح إلى إحراج حركة «النهضة» ومحاصرتها سياسيًا وانتخابيًا. كما حذر من حدوث تصدع اجتماعي واضرابات داخل البلاد في حال المصادقة على هذا المقترح في صيغة قانون جديد من قبل البرلمان التونسي.
من جانب آخر، اعتبر الشعيبي أن مصير رئيس الحكومة يوسف الشاهد هو في يد حركة «النهضة»، مشيرًا إلى أن الشاهد استطاع حتى الآن الإفلات من إقالته «المحسوبة» عبر المناورة من خلال حربه «المزعومة» على الفساد، وامتلاكه أيضًا أوراق «ابتزاز وضغط» أبرزها الدعم الخارجي.
وقال في حوار خاص مع «القدس العربي»: «الصراع اليوم في تونس صراع سياسي، واستدعاء التناقضات الأيديولوجية من قبل معسكر رئيس الجمهورية من خلال إثارة موضوع المساواة في الإرث وغيرها من القضايا لا هدف له غير الضغط على شريكه السياسي وإحراجه ومحاصرته سياسيًا وانتخابيًا. لقد كرس هذا المقترح وضعًا سيئًا للمجتمع التونسي إزاء نخبه السياسية والثقافية، فالتجانس الثقافي والاجتماعي الذي يتميز به المجتمع التونسي بات مهددًا اليوم بإسقاطات سلطوية ونخبوية تخلق شروخًا بين فئاته وأجياله».
وأضاف: «للأسف، من يحكم اليوم في تونس لا يمتلك هذه النظرة العميقة والاستراتيجية التي تنظر للثقافة باعتبارها وظيفة اجتماعية حيوية ومقومًا أساسيًا من مقومات التنمية، لذلك يتلاعبون بالمكونات النواتية للثقافة الوطنية من دون الوعي بمآلات هذا العبث الشبيه بتغيير التركيبة الجينية لأي شخص».
وكان الرئيس التونسي اقترح منذ مدة مبادرة جديدة للمساواة في الميراث بين الرجال والنساء، كما تحدث عن «مدنية» الدولة التي يكرسها الفصل الثاني من الدستور، لكنه «أغفل» بالمقابل الفصل الأول الذي يشير بوضوح إلى أن الإسلام دين الدولة، والذي حرص في مناسبات عدة على الإشادة به.
وقال الشعيبي: «المشكل أن الإسلام كان باستمرار ضحية الاستغلال السلطوي والأيديولوجي في تونس. وبسبب الوعي بخطورة العامل الديني في المجتمع احتدم الصراع على الإسلام بعمر دولة الاستقلال. فالدولة احتكرت التصرف في الشأن الديني، وتبنت قراءة أحادية وتسلطية للنص الديني، ولم ينازعها في ذلك أحد غير الحركة الإسلامية التي أنتجت خطابًا توظيفيًا موازيًا لخطاب السلطة ونجحت في تكريسه في الواقع. وفي النهاية بقي الإسلام – كرؤية تدينية اجتماعية تشكلت عبر مسارات تاريخية وثقافية معلومة – ضحية هذا التوظيف وهذا الصراع على احتكار الشرعية الدينية».
وأضاف: «لذلك فإن ما يفعله رئيس الجمهورية اليوم من استدعاء للعامل الديني أو نزعه عن الدولة التونسية ليس أكثر من استمرار للنهج التسلطي والاحتكاري نفسه. وحتى ما جاء في الفصل الأول من دستور 2014 من تثبيت للفصل الأول من دستور 1959 من أن دين الدولة/الشعب (بحسب التأويل) هو الإسلام، لا قيمة له في تفكير رئيس الجمهورية ما دام يستمد نمط تفكيره من عمق دولة الاستقلال التي أرساها بورقيبة».
وحول سبب «اختزل» الرئيس لمقترحات لجنة المساواة في موضوع الميراث، قال الشعيبي: «لأن موضوع المساواة في الإرث كان منطلق مبادرة رئيس الجمهورية، ورغم تعريجه على مسألة «تنقية القوانين مع ما يتعارض مع منظومة الحقوق والحريات»، إلا أن ذلك لا يعدو كونه مناورة لرفع سقف المطالب من أجل تحقيق ما هو مطلوب منذ البداية. وفي هذه الحالة كان المطلوب تغيير قوانين الإرث، رغم أن المطالب الأوروبية والألمانية خاصة تتجاوز ذلك بكثير».
المساواة في الإرث ليست مطلبًا تونسيًا
واعتبر الشعيبي أن قضية المساواة في الإرث «ليست مطلبًا تونسيًا خالصًا ولا أولوية وطنية، والبت فيها يتطلب حوارًا مجتمعيًا أعمق وأوسع بكثير مما حصل، بل ويتطلب قرارًا شعبيًا يتجاوز صلاحية الرئيس والبرلمان ويتحقق من خلال استفتاء عام. لكن الاشتراطات الدولية والتزامات منظومة الحكم تجاه المجتمع الدولي حتمت التعجيل بوضع آليات البت في هذا الموضوع. لذلك بقي هامش المناورة ضعيفًا حتى داخل الائتلاف الحاكم، ولم تستطع حركة النهضة الإسلامية أن تستعمل فيتو سياسيًا ضد هذه المبادرة التشريعية الرئاسية».
وأشار إلى أن موقف حركة النهضة المتمسك بحكومة الشاهد ضد إرادة رئيس الجمهورية وحزبه نداء تونس، زاد في تصميم الرئيس على تقديم مبارته. و»رغم أن حركة النهضة كان باستطاعتها مقايضة التخلي عن الشاهد مقابل تراجع الرئيس عن مبادرته، إلا أنها أوغلت في سياسة الاستفزاز لشريكها ورأت في رهانات خطتها السياسية أمرًا أهم من التصدي لزعزعة الاستقرار الثقافي والاجتماعي للتونسيين، فضلًا عن حفظ الدين كما تنص على ذلك نصوصها التأسيسية».
ويرى بعض المراقبين أن قائد السبسي يسعى من خلال هذه المبادرة إلى تحقيق «نصر انتخابي» جديد دون إغضاب فئة كبيرة من التونسيين ترفض بقية مقترحات اللجنة المتعلقة بتجريم المثلية والمساواة بين الأبناء الشرعيين و»غير الشرعيين» وغيرها.
ويعلّق الشعيبي على ذلك بقوله: «نجح رئيس الجمهورية، بهذه المبادرة، في النأي بنفسه وبحزبه عن الارتهان لحركة النهضة، ما مكنه من استرجاع قاعدة انتخابية مهمة تصدعت بسبب سياسة التوافق. وفي هذا خير استعداد في نظره للمناسبة الانتخابية القادمة. يريد نداء تونس ومن خلفه رئيس الجمهورية خوض الانتخابات القادمة على أساس الاستقطاب الثنائي مع حركة النهضة بالنظر لنجاح تجربته السابقة في ذلك».
ويرى أنه من الصعب الحسم في موضوع مصادقة البرلمان على المشروع من عدمها، فـ»فالاختلاف حول هذا الموضوع يشق أغلب الكتل البرلمانية وسيسهم في إحداث شروخ جديدة داخلها. فرغم أن مظاهر التدين غير بارزة في المجتمع بشكل كبير، لكن غالبية التونسيين محافظون في ثقافتهم وفي تفكيرهم. وبهذا سنجد ثلاثة توجهات داخل المجلس: ثمة توجهان يكون الأمر محسومًا عندهما قبولًا ورفضًا، لكنهما سيكونان عاجزين عن جمع العدد الكافي من الأصوات لتمرير القانون أو رفضه. أما الفريق الثالث الذي سيكون بيده تغليب هذه الكفة أو تلك، فسيحتفظ بموقفه للحظة الأخيرة إما بسبب تردده أو بسبب حساباته السياسية والانتخابية».
توقع حدوث اضطرابات اجتماعية
لكنه لا يستبعد حدوث «اضطرابات اجتماعية» في البلاد في حال المصادقة عليه، مضيفًا: «تمرير هذا القانون (رغم صيغته المخففة) سيتسبب في خيبة أمل عند قطاع واسع من التونسيين، وسيضعف ثقتهم في الدولة وفي مؤسساتها ونخبها. أما ردة الفعل فحاصلة ولو بعد حين، فالمجتمعات تختزن خيباتها وإحباطها في وعيها الباطن، لكن ذاكرتها حية. إن إحداث صدمة ثقافية ودينية داخل المجتمع سيراكم إلى جانب عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى حالة الغضب وانعدام الثقة تجاه الدولة، وهذا أمر قد تكون عواقبه وخيمة على استمرار السلم الاجتماعي والأهلي في البلاد».
وكانت الدعوات المطالبة باستقالة حكومة يوسف الشاهد قد تصاعدت مؤخرًا، فقد طالب عدد من السياسيين (من نداء تونس وأحزاب أخرى) بتشكيل حكومة «كفاءات وطنية» بهدف إنقاذ البلاد والإعداد للانتخابات المقبلة.
وقال الشعيبي: «هناك زاويتان للنظر في الموضوع، فثمة زاوية تقيم حكومة الشاهد من منظور شخصي، وتكتفي بالقول بأن فشل حكومته يعود لضعف في الأداء، ويجب تداركه من خلال تغيير رئيس الحكومة وأعضائها، وإن وجهة النظر تلك تخفي خلافًا سياسيًا بات مفضوحًا اليوم بين شقوق نداء تونس وتكالب على الموقع والمنافع الشخصية. وانخراط أي طرف سياسي من خارج النداء في هذه المعركة لا معنى له، فهناك مقاربة أخرى ترى أن فشل السياسة الحكومية تتحمل مسؤوليته الأطراف الأقوى تأثيرًا في اتفاق قرطاج، وخاصة (النداء، والنهضة، واتحاد الشغل)، ويجب عليها أن تتحمل المسؤولية السياسية كاملة عن هذا الوضع الذي وصلت له البلاد. وفي هذا الإطار لا معنى لمسح هذا الفشل في رئيس الحكومة وحده». وأضاف: «كانت إقالة الشاهد أمرًا محسومًا منذ أكثر من سنة، لكن قدرته على المناورة (وخاصة من خلال حربه المزعومة على الفساد) وامتلاكه ورقات ابتزاز وضغط (مثل ورقة الدعم الخارجي)، إضافة إلى تغير موقف حركة النهضة المتمسكة به، كل ذلك مكنه إلى حد الآن من الإفلات من الإقالة، لذلك فإن الدعوات الجديدة لإقالته ليست إلا استمرارًا لمحاولات سابقة».
مصير الشاهد
ويرى الشعيبي أن مصير الشاهد بيد كتلة حركة النهضة، فـ»كتلة النداء/المشروع في غالبيتها تريد إقالة الشاهد، وكذلك أغلب نواب المعارضة، لكن كل هؤلاء قد لا يؤمنون الأغلبية الضرورية لإقالته وسيحتاجون حتمًا لأصوات أخرى لا يستطيع تأمينها من النواب المتبقين غير نواب حركة النهضة. 
لذلك «أعتبر أن مستقبل الشاهد في رئاسة الحكومة (وربما حتى أبعد من ذلك) رهين قرار حركة النهضة». ومع السنة البرلمانية الجديدة، كثير من المياه سيكون قد جرى في معترك السياسة التونسية وقد لا يجد الشاهد مفرًا من الاستقالة الكريمة عوضًا عن «تمرميد» (إهانة) المجلس كما يحلو للندائيين قول ذلك».
وفيما يتعلق بمحاولة عدد من الأطراف السياسية إعادة تشكيل المشهد البرلماني عبر تحالفات جديدة مع الحكومة وضدها، قال الشعيبي: «هذا مجرد تمرين تدريبي بين الأخوة الأعداء قبل موعد 2019، لأن التجربة بينت عدم وجود مشترك سياسي بين شقوق النداء، ولم يبق لهم اليوم غير الخوف من خسران انتخابات 2019 ليجمعهما من جديد، ولذلك فإن تجربة الكتلة الجديدة ليست أكثر من عقد قران بارد بين مطلقين اكتشفا أن حبهما المتبادل مجرد وهم فاتفقا أن لا يطلب أي واحد منهما من الآخر أكثر من المحافظة على «ايتيكات» الزواج أمام الناس».
(القدس العربي)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق