هل انهار حزب مشروع تونس ?

لم يكن تشكل حزب مشروع تونس نتاجا لحاجة سياسية للشارع التونسي أو نتاجا لتدافع فكري وصراع برامج بين تيارات مختلفة بقدر ما ارتبط بعاملين أولهما الرغبة الملحة لدى أمينه العام في الوصول للسلطة وارتباطه بقوى إقليمية راهنت عليه في مواجهتها للتحول الديمقراطي بعد خيبة أملها في الحزب إلام الذي انشق عنه المشروع ونعني به نداء تونس الذي انخرط في تحالف حكومي مع حركة النهضة مباشرة اثر فوزه بانتخابات 2014.
من الناحية البنيوية يظل حزب مشروع تونس من الأحزاب غير ذات التوجه السياسي الواضح فهو يكتفي بجملة من الشعارات العامة التي طرحها في ميثاق التأسيس واستعادها في اللوائح ربما بشكل أكثر تفصيلا ولكنها في مجملها تظل خطابا إنشائيا عاما لا يتضمن تفاصيل برنامج حقيقي يمكن أن يتحول الى قوة اقتراح أو برنامج سلطة وربما الجانب الوحيد الذي حاول حزب المشروع التركيز عليه هو الخصومة مع القوى الثورية وحركة النهضة ومحاولة استعادة الخطاب التعبوي ضد الخصم الإسلامي بصورة تبدو إقصائية وقد تجلت مفاعيلها في افتتاح مؤتمره التأسيسي (جويلية 2016) حين أعلن أمين عام الحزب انه رفض استدعاء النهضة لأنه يرفض حضور حزب سياسي غير ديمقراطي ولا يلتقي معه في شيء.
ويرتكز الحزب بصورة مبالغ فيها حول شخصية صاحب الامتياز السياسي فيه ونعني به محسن مرزوق الذي تم اختياره أمينا عاما دون منافسة تذكر وهو نتاج لحالة الشخصنة المبالغ فيها حيث يمكن لكل من تابع الاجتماعات الحزبية والانتخابية للمشروع ملاحظة الكم الهائل من صور الأمين العام بشكل يحيل بصورة لاواعية الى طريقة تلميع زعماء الأحزاب الشيوعية ذات المنحى الستاليني وهذا ليس بالغريب عن محسن مرزوق الذي ظل ناشطا ماركسيا متشددا لسنوات طويلة قبل أن يعرف طريقه الى فريدوم هاوس الأمريكية ويحاول الظهور بصورة “المتلبرل” الحداثي المدافع عن مشروع الهوية التونسية المفترضة.
في الانتخابات البلدية الأخيرة ورغم الإنفاق المالي والحملات الإعلامية الممولة عجز المشروع عن أن يكون رقما حزبيا فاعلا في المشهد ولم تزد نسبة الأصوات التي حصل عليها عن (1,44) بالمائة من أصوات الناخبين
فمحسن مرزوق الذي صرح من قبل (2016) مؤكدا أن حزبه سيفوز بالانتخابات البلدية المقبلة، أعلن أن المنافس الوحيد لما سماه “مشروعه العصري” هو حركة النهضة والإسلام السياسي عموما. ورغم أن حزبه حاول الاستفادة من التجربة التي راكمها عناصره أثناء نشاطهم في نداء تونس خاصة من الناحية التنظيمية و الدعائية، إلا أن الوعود الكبيرة التي طرحها والآمال العريضة التي انطلق منها باعتباره الوافد الجديد للحكم تحولت الى كابوس مع الانتخابات البلدية (2018) بعد اصطدامها مع الواقع السياسي وبفعل عوامل القصور الذاتي التي يعيشها التنظيم ومنذ النشأة سواء من حيث الإغراق في الفردية والتركيز على شخصنة العمل السياسي.
هذا ما أثار انتقادات حتى لدى بعض مناصريه وداعميه ممن انشق معه عن نداء تونس، بالإضافة الى أن الوقائع أكدت أن إمكانية تكرار تجربة نداء تونس في الفوز كما حصل سنة 2014 (التي حلم بها المشروع) لم تكن ممكنة واقعيا وحسابيا وهو ما يعني أن هذا الكيان أصبح مجرد رقم جديد يُضاف الى المشهد الحزبي التونسي دون فاعلية تذكر.
لا يكفي تمويل حزب لتمرير الأجندات الجاهزة، لأنه في النهاية سيظل محكوما بأدائه السياسي ومدى قناعة الناخبين به خارج منطق القسر والإجبار في انتظار ما ستتمخض عنه التكتيكات الجديدة لبعض الدول الإقليمية الساعية لتقويض تجربة الانتقال الديمقراطي التونسي
ورغم تراجع نداء تونس انتخابيا وعجزه عن الفوز في الانتخابات البلدية الأخيرة وحالة الفوضى التي تعصف به اثر الهزيمة وتحوله الى رهينة بين مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد واضطراب أدائه السياسي وفشله في تقديم أي إضافة للحكم وهو الذي يعاني من غياب الخيال السياسي في إيجاد الحلول للمشكلات التي يعانيها الوضع الاجتماعي التونسي، لم يستطع حزب المشروع أن يتوسع على حسابه وهو الذي قدم نفسه طويلا باعتباره بديلا عن النداء وقادرا على تجميع القواعد الناخبة الغاضبة من تحالفه مع النهضة وكل المتذمرين من فشله في الحكم.
ففي الانتخابات البلدية الأخيرة ورغم الإنفاق المالي والحملات الإعلامية الممولة عجز المشروع عن أن يكون رقما حزبيا فاعلا في المشهد ولم تزد نسبة الأصوات التي حصل عليها عن (1,44) بالمائة من أصوات الناخبين متأخرا وبشكل واضح عن أحزاب السلطة التي يطرح نفسه بديلا لها وعن حزب النداء الذي اعتبر نفسه وريثا له بل إن الذي جرى.
ويا للمفارقة، كان عكس المتوقع حيث وجدنا نواب كتلة المشروع يمنحون أصواتهم لوزير الداخلية الجديد الذي اقترحه يوسف الشاهد خارج إرادة الشق الآخر من حزبه وما زاد في تعكير وضع حزب مشروع تونس هي الاستقالات المتتالية التي شملت مؤخرا خمسة نواب ممن ينتمون لكتلته وهو ما يعني فقدان الفاعلية والتأثير في مجلس النواب.
تكشف التجربة السياسية القصيرة لحزب مشروع تونس أن التمويلات وحدها لا تكفي لصنع حزب فاعل ومؤثر وأن الذين راهنوا عليه خارجيا لم يدركوا أن حالة التنافس الديمقراطي تختلف عن الوضعيات الانقلابية.
فلا يكفي تمويل حزب لتمرير الأجندات الجاهزة، لأنه في النهاية سيظل محكوما بأدائه السياسي ومدى قناعة الناخبين به خارج منطق القسر والإجبار في انتظار ما ستتمخض عنه التكتيكات الجديدة لبعض الدول الإقليمية الساعية لتقويض تجربة الانتقال الديمقراطي التونسي في أفق الانتخابات القادمة لسنة 2019.
المصدر/meemmagazine/سمير حمدي
كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت له مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى